«لقد أفلست كل القيادات القديـمة»
ما بال الـحزب السوري القومي يعمل في جو غريب؟ وقد سيطرت على الأمة بأجمعها أجواء مضعضعة؟ أوليست هذه الأرض لنا؟ تلك حقيقة أساسية كبيرة، ظاهرة يجب أن نوجه الشعب السوري كله إليها، لأنها الـمنقذ الوحيد للأمة، وللشعب من تضعضعه وانهياره.
إنّ الـحالة خطرة ومخيفة جداً، ليس فقط بسبب ما خسرته البلاد حتى اليوم، بل بسبب الإفلاس الأخلاقي والسياسي التام الكامل، الذي منيت به الضمائر الـمذكورة، والذي كان من جراء تضعضعها، تضعضع الشعب السوري. وإنّ الأخطار الـمقبلة التي تتجمع حول هذه البلاد قد تفوق الأخطار التي نزلت بنا إلى اليوم.
ها قد استقر اليهود «ولو إلى حين» في فلسطين، وكانت كارثة فلسطين آخر النكبات السورية إلى الآن. ولكن إذا لم يستيقظ الشعب السوري إلى حقيقته، وإلى قواه الـحية، فلن تكون آخر الكوارث.
اليوم، بينما نحن نتجه بكل أنظارنا وشعورنا إلى فلسطين، تتجمع هنالك غيوم حول البلاد من جهات أخرى.
هنالك في الشمال يلوح خطران قد يكونان كافيين الان. ولكن سيبرزان إلى العمل لدى أول فرصة، خصوصاً إذا حدثت الـحرب الثالثة.
خسـرنـا الإسكندرونـة، ولكن هل تظنـون أنّ الدولـة التركية الفتية، ككل دولة حيوية أخرى في العالم، ستكتفي باللواء فقط؟ كلا، إنّ الـحيوية التركية ككل حيوية أخرى، في العالم تـحاول دائماً الامتداد والتوسع. وطالما نحن في تفسخنا، فالـحيوية النامية على حدودنا ستظل تـمتد. فالـخطر في الجبهة التركية لا يزال ماثلاً اليوم، وسيتحول قريباً إلى خطر مخيف.
ثم هنالك خطر ثان يلوح في الأفق، إنه خطر كردستان، وإنشاء دولة كردية يدعمها البلاشفة، إنّ هذه الفكرة تدعمها روسية لزيادة البلبلة في الشرق الأوسط، ولتحارب بها تركية، ولتصادم بها أية قوة في هذه البلاد الـمجاورة.
فلا تظنن أنّ الـخطر هو فقط في فلسطين. إنّ الأخطار تدور حول وطننا من كل ناحية.
ماذا تفعل الأحزاب السياسية الأخرى تـجاه هذه الأخطار؟ إنها تتلهى بقضايا سخيفة. إنها أحزاب وصولية، جلّ همّها الوصول إلى أشياء بارزة في نفوسها.
بـماذا ستدفع تلك الأحزاب الأخطار الـمقبلة عن البلاد؟ لا شيء.
إنّ جميع الأحزاب السياسية الأخرى في هذا الوطن أحزاب تخريبية، لا أحزاب إنشائية. والقضايا الوحيدة التي تتناولها تلك الأحزاب، كانت قضايا سطحية، تناولت بعض الضـرائـب. وإنها لا تستغـل إلا الأحـوال الاقتصـاديـة ولا تبحث في الأساس الاقتصادي قط. الأساس الاقتصادي كوحدة متينة في ذاته.
تراها حينما تستغل مشروع خبز الفقير، لأن العامة لا تدرك الـمواطن الأساسية الـخطيرة، ولا تدرك الأخطار البعيدة التي ستتناولهم. والعامة ليس بإمكانها أن تدرك أنّ إنشاء كردستان، وتسلّح الصهيونية على الـحدود وتـحفّز تركية، أشد خطراً من قضية «خبز الفقير».
فالأحزاب التي تسير من تضليل إلى تضليل، هي أحزاب وصولية، وهي منبع شقاء هذا الشعب ولكنها لن تصل إلى انتصارات تـحرز فيها فلاحاً.
مـاذا يبقـى؟ عليكـم أن تــدركـوا الـمـرامـي اللاقـوميـة التي تعمـل لها هذه الأحزاب الوصولية.
بل ماذا يبقى لهذا الشعب؟ نحن القوميون الاجتماعيون نعرف ماذا بقي لهذا الشعب. يبقى لهذا الشعب أمل وحيد، وهو «الـحزب السوري القومي».
إنّ أهدافنـا وخططنـا هي أهداف الأمة. وليست أهدافنا بعيدة عن الـمصالح الأساسية التي تـحيا بها الأمـم.
أما أنت أيها السوري القومي
كن أهلاً لتحمل مسؤوليتك.
واحمل شعار الزوبعة على صدرك.
إنها رغبة سورية. وسورية فحسب.
فـالقـومـي الاجتمـاعي الـذي يحمل الزوبعة على صدره، ويذهب لينام عن واجبه، هو أيضـاً مثـل بقيـة العناصـر التي لا تـجدي الأمة نفعاً. السوري القومي الاجتماعي هو الذي يحاسب ضميره قبل أن يأوي إلى فراشه، فيتساءل: ماذا فعلت بشأن القضية القومية؟
إنّ الإنقاذ الكلي هدفنا نحن القوميين الاجتماعيين، حزب تفكير، حزب تنظيم وتفكير، وعمل صامت مجدٍ. نحن حزب أعمال، ولسنا بحزب أقوال وبيانات، الإنقاذ الكلي هدفنا. نحن لسنا حزب بيانات، حزباً يستغل الـمناسبات، نحن حزب عمل وحزب قتال. تاريخنا يشهد أننا حزب عمل، وحزب قتال، فلا مفر لنا من القتال.
لأنه، مهما أفهمنا الناس حقيقة الأمة، فهنالك الأنانية تقف أمام كل تقدم قومي، وهنالك الضمائر الـمتفسخة. إنّ الـمصلحة الـخاصة تقف أمام أعين بعض الناس أذناب الأجيال الاستعمارية الـمنحلة. وهكذا لا يـمكننا أن نُفهم الناس حقيقة الأمة بالبيانات.
إذاً، نحن حزب عمل، حزب تنظيم، حزب قتال، حزب بناء وتـجديد. حزب وحدة الصفوف بالعمل. ماذا يفيد الـمنطق مع من يريد أن يحارب في سبيل مصالـحه الـخاصة، أو في سبيل إقطاعية؟ أو في سبيل طائفية؟ لا يفيد الـمنطق شيئاً مع أناس كهؤلاء.
ولا يـمكن لسورية أن تنتقل من طور إلى طور عن طريق الإقناع. ولم يحدث ذلك في تاريخ أمة واحدة من أمـم العالم. فانتقال الأمـم من طور إلى طور كان ذلك بإرادة انبعثت من صميم حاجات الأمـم، بتصميم على تغيير مصير الأمة، وذلك بقوة ساحقة، تتغلب على كل صعوبة وعلى كل قوة.
إنّ الثـورة الفـرنسيـة صيَّرت فرنسـة. فرنسة لم تنجح بالأفكار فحسب، بل بالإنتاج الصميمي، أعني بالعمل.
يريدون أن ينكروا علينا هذا التفكير الذي يعدّونه توحشاً، يريدون الضرب والقتل. ينكرونه علينا لـماذا؟ فلو أنهم خضعوا للمنطق والـحقيقة لـما احتجنا إلى تفكير من هذا النوع، لكن تصلّبهم وعنادهم في الرجعية والتفسخ والسير القهقري، يجعل هذا التفكيـر الـمتـوحش من أنبل أنواع التفكير الإنساني. لذلك نحن لسنا حزب بيانات، نستغل عواطف الشعب لأنه ليست لنا مصالح وصولية، ليست لنا غاية إرضاء جماعات لها مآرب خصوصية، لذلك نحن حزب عقيدة، نحن حزب يقين، نحن حزب تخطيط، نحن حزب عمل، نحن حزب قتال، في سبيل حياة أمة.
إنّ الـموضوع خطير، الـمسألة حياة أمة أو موتها. هنا أمامنا مقدرات كلية، لا جزئية، يـمكنني أن أتساهل حتى في حقي مع مواطن. ولكنه لا يجوز لي التساهل مع أي مواطن في هضم حق شعب بأسره.
نحن الـحزب السوري القومي، حزب هذه الأمّة، ونحن قوّته الفاعلة. ونحن القوة التي ينتظر الشعب أن تقول كلمتها. والـحزب لا يزال محتفظاً بهذه الكلمة. لأنه من حيث هو حزب صراع وأعمال. حزب صراع وكفاح. لا حزب بيانات. سيقول الـحزب هذه الكلمة، أفعالاً لا أقوالاً.
نحن نريد صفوفاً موحدة. والعمل القومي الاجتماعي عمل مقدس له قداسة، له قداسة أعظم من أية قداسة أخرى. وهي ـ أي أعمالنا ـ أروع من الـخلود في الـجنة، وأهدافنا القومية أعظم شيء لنا في الأرض، وما وراء الأرض.
وإذا لم يكن العمل القومي الاجتماعي بهذه الـمنزلة من القداسة، فهو تسلية فارغة. لأنه لن نبلغ الـمواقف الفاصلة من تكوّن هيئتنا الاجتماعية، إذا لم نحمل إيـماناً ذا حقيقة كلية أساسية له قدسيته.
أنظروا، إنّ هنالك قوى وتكتلات تـحول دون قيام حقيقتنا، إلا أننا بيقين مثل هذا، بإيـمان مثل هذا، جعلناه شرطاً علينا من الأول، من أنفسنا، عندما أقسمنا أن نتخذ عقيدتنا إيـماناً لنا ولأهل بيتنا. بإيـمان صحيح يقيني مثل هذا، نتغلب على كل من يقف في طريق الأمة. هذا الإيـمان الذي جعلنا ننتصر، والذي رافقنا في كل الـمواقع التي اجتزناها هو سر ثبات هذه الـحركة على الرغم من الصعوبات التي أتينا عليها. إنّ الصعوبات التي اعترضت سبيل الـحزب السوري القومي الاجتماعي، كانت أعظم من أية صعوبة أتت على أي حزب آخر في العالم.
بهذا الإيـمان عدنا من الـمنحدرات، وإلى مراقي أعلى من التي كنا عليها. والـحـركـات العظيمـة تتعـرض لكل هذه الأمـور لتمتحنها. أما القضايا التي تهبط وتتلاشى، تتلاشى القضايا معها والتي تصعد ترفع عَلَمَها على القمة.
نحن السوريين القوميين، نحن جماعة إيـمان، نحن جماعة يقين بهدى وحق، نحن جماعة قتال في سبيل الهدى والـحق.
وبعد، نحن جماعة عمل تهيىء للمعركة التي تنتصر بها القوى الفتية الـمجددة، على القوى الرجعية الـمتفخسة الـمهترئة.
وإذا سمحنا للرجعية وأزمانها بالـحياة، وأن تسخر منا، فهذا الاستمرار منها فيه انتهاء كل أمل لنا في النهوض.
النقطة الأساسية، نقطة البدء الصحيح، أن تكونوا جماعة نظام فكري صحيح، جماعة نظام عمل صحيح، جماعة نظام حربي صحيح. وعلى كل واحد منا مـمارسة هذا النظام، بكل أشكاله، بكل مراتبه. هذا العمل البنائي، بناء العقيدة في نفوس الـمواطنين، بناء الصفوف، وتنظيمها التنظيم الـموحد، جمع روحيتها في الأهداف الصحيحة التي تسير إليها، هذا النظام والسير في هذا النظام، وفي جميع فروعه ومراتبه هو الذي يكفل لنا النصر الـخير.
ومن جهة أخرى، نحن جماعة أخلاق، لأنه لا يـمكن أن يقوم عمل عام، أو فردي ويواجه الصعوبات، إلا إذا كان له أساس من الأخلاق. فنحن جماعة عمل وصراع، لأننا في حقيقتنا جماعة أخلاق. لا تتناولنا الـميوعة ولا تخيفنا الصعوبات، ولا تبلبل ضمائرنا وأفكارنا الصيحات والزعقات إنّ لنا من أخلاقنا قوة فعالة، تصمد في وجه كل صعوبة، قوة فعالة هي التي تدفعنا في الهجوم على كل ما يقف في سبيل إرادة الأمة، أمة حية عظيمة لا يـمكن أن تصير إلى الاضمحلال، أو الفناء أو إلى القبر.
الأخلاق السورية القومية الاجتماعية من الأمور الـمشهورة عنا، وإننا أصحاب عقيدة. أمة لها من صلابة عقيدتها وأخلاقها ما يكفل لها الـحياة.
كانت قبلنا أحـزاب واضمحـلت، وانتقل رجالهـا إلى أحزاب أخرى. ونشأت بعدنا أحزاب قلدتنا في تفكيرنا وأساليبنا في تعابيرنا، ثم عادت فاضمحلت، حتى إذا نشأت أحزاب أخرى على أنقاض تلك، نقلت معها ذهاب الأخلاق، وفساد الـمناقب، وتعلّم هذا الشعب التلون والتراجع، والـجبن والـخوف والهرب.
إلا أنّ هذا الـحزب السوري القومي الاجتماعي تراه باقياً تـجاه هذه التلوثات، صامداً يبني، ويبني، يبني الأمة، ولا يبني أفراداً. حزب واجه قوات الاحتلال بنظام بديع، يحارب، لا يلين ولا يهادن، لا يتغير ولا يتحول، ولا يتراجع، ولا يجبن، ولا يخاف ولا يهرب. لاقى السجون، ولاقى الـمعتقلات، ولاقى الـمواقف الصعبة، فمن منكم رأى السوريين القوميين الاجتماعيين يهربون من مواجهة الـمسؤوليات القومية؟
كم من بطل تظاهر بالبطولات الـخرافية، يصور للشعب أوهاماً باطلة كأنها حقائق. إنه بهذا يقتل فطنة الشعب، ويقلل من إيـمانه بالـحياة، ويسيء إلى حسن تفكيره.
إنّ بطلاً متظاهراً مثل هذا مجرم.
إلا أنّ شهداءنا، أبطالنا حاربوا بيقين وماتوا بصمت، وبهذا استحقوا الـخلود الصحيح. فهم خالدون خلود أمتهم. وكذلك يجب ألا نفتخر بزيف البطولة، أعني بطولة من يقول «لقد منحناكم الاستقلال». وإنه زيف، لأنه خارجي ومزيف. كاستقلالنا الذي لا يـمتّ إلى القومية في شيء. وأعني أنه استقلال مهدد لا يستند على دعائم قومية صحيحة. نحن القوميين نسير بتاريخ حقيقي، إنه نتيجة أخلاقنا، إنه نتيجة إيـماننا وعقيدتنا، إنه نتيجة عملنا ومجابهتنا كل صعوبة. سوف ننتصر على كل باطل يتصدى طريق سيرنا إلى النصر.
نحن في سيرنا وفي تـمييزنا للأمور، وفي أننا حزب عمل وصراع وقتال. حزب استقلال قومية هذا الشعب السوري. سنواجه الأخطار الـمحدقة بالأمة بصراعنا مع الأخطار. إننا حركة صراعية. إننا نريد أن ننهض لتنظيم قومية الأمة، ونرفع الأمة من الانحطاط الذي رمتها فيه الـحزبيات النفعية.
فبهذه الأخلاق، فبهذه الـمبادىء، وبهذا التنظيم، نسير واثقين من النصر.
ليشعر كل سوري قومي أنه جندي، وأنه في حملة هجومية لإنقاذ مصير الأمة من التضعضع، والأخطار الـخارجية. التي تزيد فداحتها أخطار التضعضع الداخلي.
إننـا نثـق من انتصارنـا الأخـير، الانتصـار الفاصل كما انتصرنا في الـماضي، وسنحقق أهداف الأمة. وبهذا اليقين نهتف من أعماق قلوبنا.
تـحيا سورية، تـحيا سورية، تـحيا سورية.
(1) كما دوّنه فاتـح الـمدرس.